الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
قاعة السدرة كانت بجوار المدرسة والتربة الصالحية واشتراها قاضي القضاة: شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحبنلي مدرس الحنابلة بالمدرسة الصالحية: بألف وخمسة وتسعين دينارًا في رابع شهر ربيع الآخر: سنة ستين وستمائة من كمال الدين ظافر بن الفقيه نصر وكيل بيت المال ثم باعها شمس الدين المذكور للملك الظاهر بيبرس في حادي عشري ربيع الآخر المذكور وكان يتوصل إليها من باب البحر. قاعة الخيم كانت شرقي قاعة السدرة وقد دخلت قاعة السدرة وقاعة الخيم في مكان المدرسة الظاهرية العتيقة. المناظر الثلاث استجدهن الوزير المأمون البطائحي وزير الخليفة الآمر بأحكام الله: إحداهن بين باب الذهب وباب البحر والأخرى: على قوس باب الذهب ومنظرة ثالثة وكان يقال لها: الزاهرة والفاخرة والناضرة وكان يجلس الخليفة في إحداها لعرض العساكر يوم عيد الغدير ويقف الوزير في قوس باب الذهب. قصر الشوك قال ابن عبد الظاهر كان منزلًا لبني عذرة قبل القاهرة يعرف: بقصر الشوك وهو الآن أحد أبواب القصر انتهى والعامة تقول: قصر الشوق وأدركت مكانه دارًا استجدت بعد الدولة الفاطمية هدمها الأمير جمال الدين يوسف الإستادار في سنة إحدى عشرة وثمانمائة لينشئها دارًا فمات قبل ذلك وموضعه اليوم بالقرب من دار الضرب فيما بينه وبين المارستان العتيق. قصر أولاد الشيخ هذا المكان من جملة القصر الكبير وكان قاعة فسكنها الوزير الصاحب الأمير الكبير: معين الدين حسين بن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه في أيام الملك الصالح: نجم الدين أيوب فعرف به وأدركت هذا المكان خطًا يعرف: بالقصر يتوصل إليه من زقاق تجاه حمام بيسري وفيه عدة دور منها: دار الطواشي سابق الدين ومدرسته المعروفة بالمدرسة السابقية وكان يتوصل إليه من الركن المخلق أيضًا من الباب المظلم تجاه سور سعيد السعداء بالمعروف قديمًا: بباب الريح ثم عرف: بقصر ابن الشيخ وعرف في زمننا: بباب القصر إلى أن هدمه جمال الدين الإستادار كما يأتي إن شاء الله تعالى. هو من جملة القصر الكبير وعرف أخيرًا: بقصر قوصون ثم عرف في زمننا: بقصر الحجازية وقيل له: قصر الزمرد لأنه كان بجوار: باب الزمرد أحد أبواب القصر ووجد به في سنة بضع وسبعين وسبعمائة تحت التراب عمودان عظيمان من الرخام الأبيض فعمل لهما ابن عابد رئيس الحراريق السلطانية أساقيل وجرهما إلى المدرسة التي أنشأها الملك الأشرف شعبان بن حسين تجاه: الطبلخاناة من قلعة الجبل وأدركنا لجر هذين العمودين أوقاتًا في أيام تجمع الناس فيها من كل أوب لمشاهدة ذلك ولهجوا بذكرهما زمنًا وقالوا فيهما شعرًا وغناء كثيرًا وعملوا نموذجات من ثياب الحريرن وتطريز المناديل عرفت بجر العمود وكانت الأنفس حينئذ منبسطة والقلوب خالية من الهموم وللناس إقبال على اللهو لكثرة نعمهم وطول فراغهم وكان العمودان المذكوران مما ارتدم من انقاض القصر فسبحان الوارث. الركن المخلق موضعه الآن: تجاه حوض الجامع الأقمر على يمنة من أراد الدخول إلى المسجد المعروف الآن: بمعبد موسى وقيل له: الركن المخلق لأنه ظهر في: سنة ستين وستمائة في هذا الموضع حجر مكتوب عليه: هذا مسجد موسى عليه السلام فخلق بالزعفران وسمي من ذلك اليوم بالركن المخلق وأخبرني الأمير الوزير أبو المعالي يلبغا السالمي أنه قرأ في الأسطر المكتوبة: بأسكفة باب الجامع الأقمر كلامًا من جملته والحوانيت التي بالركن المخوق: بواو بعد الخاء فرأيت بعد ذلك في الأمالي للقالي وقال أبو عبيدة عن أبي عمر والخوقاء: الصحراء التي لا ماء بها ويقال: الواسعة وأخوق: واسع فلعله سمي: المخوق بمعنى الاتساع فكان ركنًا متسعًا وفي بناء واسع أو يكون المخلق باللام من قولهم قدح مخلق بضم الميم وفتح الخاء وتشديد اللام وفتحها أي: مستو أملس وكل ما لين وملس فقد خلق فكل مملس مخلق وسمته العامة بعد ذلك: الركن المخلق عندما خلقوه بالزعفران والله أعلم. السقيفة وكان من جملة القصر الكبير موضع يعرف: بالسقيفة يقف عنده المتظلمون وكانت عادة الخليفة أن يجلس هناك كل ليلة لمن يأتيه من المتظلمين فإذا ظلم أحد وقف تحت السقيفة وقال بصوت عال: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله فيسمعه الخليفة فيأمر بإحضاره إليه أو يفوض أمره إلى الوزير أو القاضي أو الوالي ومن غريب ما وقع أن الموفق بن الخلال: لما كان يتحدث في أمور الدواوين أيام الخليفة الحافظ لدين الله وخرج من انتدب بعد انحطاط النيل من العدول والنصارى الكتاب إلى الأعمال لتحرير ما شمله الري وزرع من الأراضي وكتابة المكلفات فخرج إلى بعض النواحي من يمسحها من شاد وناظر وعدول وتأخر الكاتب النصراني ثم لحقهم وأراد التعدية إلى الناحية فحمله ضامن تلك المعدية إلى البر وطلب منه أجرة التعدية فنفر فيه النصراني ووسبه وقال: أنا ماسح هذه البلدة وتريد مني حق التعدية فقال له الضامن: إن كان لي زرع خذه وقلع لجام بغلة النصراني وألقاه في معديته فلم يجد النصراني بدًا من دفع الأجرة إليه حين أخذ لجام بغلته فلما تمم مساحة البلد وبيض مكلفة المساحة ليحملها إلى دواوين الباب وكانت عادتهم حينئذ كتب الجملة بزيادة عشرين فدانًا ترك بياضًا في بعض الأوراق وقابل العدول على المكلفة وأخذ الخطوط عليها بالصحة ثم كتب في البياض الذي تركه: أرض اللجام باسم ضامن المعدين عشرين فدانًا قطيعة كل فدان: أربعة دنانير عن ذلك ثمانون دينارًا وحمل المكلفة إلى ديوان الأصل وكانت العادة إذا مضى من السنة الخراجية أربعة أشهر ندب من الجند من فيه حماسة وشدة ومن الكتاب العدول وكاتب نصراني فيخرجون إلى سائر الأعمال لاستخراج ثلث الخراج على ما تشهد به المكلفات المذكورة فينفق في الأجناد فإنه لم يكن حينئذ للأجناد إقطاعات كما هو الآن وكان من العادة أن يخرج إلى كل ناحية ممن ذكر من لم يكن خرج وقت المساحة بل ينتدب قوم سواهم فلما خرج الشاد والكاتب والعدول لاسترخاج ثلث مال الناحية استدعوا أرباب الزرع على ما تشهد به المكلفة ومن جملتهم ضامن المعدية فلما حضر: ألزم بستة وعشرين دينارًا وثلثي دينار عن نظير ثلث المال الثمانين دينارًا التي تشهد بها المكلفة عن خراج أرض اللجام فأنكر الضامن أن تكون له زراعة بالناحية وصدقه أهل البلد فلم يقبل الشاد ذلك وكان عسوفًا وأمر به فضرب بالمقارع واحتج بخط العدول على المكلفة وما زال به حتى باع معديته وغيرها وأورد ثلث المال الثابت في المكلفة وسار إلى القاهرة فوقف تحت السقيفة وأعلن بما تقدم ذكره فأمر الخليفة الحافظ بإحضاره فلما مثل بحضرته قص عليه ظلامته مشافهة وحكى له ما اتفق منه في حق النصراني وما كاده به فأحضر ابن الخلال وجميع أرباب الدواوين وأحضرت المكلفات التي عملت للناحية المذكورة في عدة سنين ماضية وتصفحت بين يديه سنة سنة فلم يوجد لأرض اللجام ذكر البتة فحينئذ أمر الخليفة الحافظ: بإحضار ذلك النصراني وسمر في مركب وأقام له من يطعمه ويسقيه وتقدم بأن يطاف به سائر الأعمال وينادى عليه ففعل ذلك وأمر بكف أيدي النصرانية كلها عن الخدم في سائر المملكة فتعطلوا مدة إلى أن ساءت أحوالهم. وكان الحافظ مغرمًا بعلم النجوم وله عدة من المنجمين من جملتهم: شخص صار إليه عدة من أكابر كتاب النصارى ودفعوا إليه جملة من المال ومعهم رجل منهم يعرف: بالأخرم بن أبي زكريا وسألوه أن يذكر للحافظ في أحكام تلك السنة حلية هذا الرجل فإنه إن أقامه في تدبير دولته زاد النيل ونما الارتفاع وزكت الزروع ونتجت الأغنام ودرت الضروع وتضاعفت الأسماك وورد التجار وجرت قوانين المملكة على أجمل الأوضاع فطمع ذلك المنجم في كثرة ما عاينه من الذهب وعمل ما قرره النصارى معه فلما رأى الحافظ ذلك تعلقت نفسه بمشاهدة تلك الصفة فأمر بإحضار الكتاب من النصارى صار يتصفح وجوههم من غير أن يطلع أحدًا على ما يريده وهم يؤخرون الأخرم عن الحضور إليه قصدًا منهم وخشية أن يفطن بمكرهم إلى أن اشتد إلزامهم بإحضار سائر من بقي منهم فأحضروه بعد أن وضعوا من قدره فلما رآه الحافظ: رأى فيه الصفات التي عينها منجمه فاستدناه إليه وقربه وآل أمره إلى أن ولاه أمير الدواوين فأعاد كتاب النصارى أوفر ما كانوا عليه وشرعوا في التجبر وبالغوا في إظهار الفخر وتظاهروا بالملابس العظيمة وركبوا البغلات الرائعة والخيول المسومة بالسروج المحلاة واللجم الثقيلة وضايقوا المسلمين في أرزاقهم واستولوا على الأحباس الدينية الأوقاف الشرعية واتخذوا العبيد والمماليك والجواري من المسلمين والمسلمات وصودر بعض كتاب المسلمين فألجأته الضرورة إلى بيع أولاده وبناته فيقال: إنه اشتراهم بعض النصارى وفي ذلك إذا حكم النصارى في الفروج وغالوا بالبغال وبالسروج وذلت دولة الإسلام طرًا وصار الأمر في أيدي العلوج فقل للأعور الدجال هذا زمانك إن عزمت على الخروج وموضع السقيفة فيما بين درب السلامي وبين خزانة البنود يتوصل إليه من تجاه البئر التي قدام دار كانت تعرف: بقاعة ابن كتيلة ثم استولى عليها جمال الدين الإستادار وجعلها مسكنًا لأخيه ناصر الدين الخطيب وغير بابها. دار الضرب هذا المكان هو الآن: دار الضرب من بعض القصر فكان خزانة بجوار الإيوان الكبير سجن بها الخليفة الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله أبي تميم معد ذلك أن الآمر لما قتل في يوم الثلاثاء: رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة قام العادل برغش وهزار الملوك جوامرد وكانا أخص غلمان الآمر بالأمير عبد المجيد ونصباه خليفة ونعتاه بالحافظ لدين الله وهو يومئذ أكبر الأقارب سنًا وذكر أن الآمر قال قبل أن يقتل بأسبوع عن نفسة المسكين المقتول بالسكين وإنه أشار إلى أن بعض جهاته حامل منه وأنه رأى أنها ستلذ ذكرًا وهو الخليفة من بعده وأن كفالته للأمير عبد المجيد فجلس على أنه كافل للمذكور وندب هزار الملوك للوزارة وخلع عليه فلم ترض الأجناد به وثاروا بين القصرين وكبيرهم رضوان بن ولخشي وقاموا بأبي علي بن الأفضل الملقب: بكتيفات وقالوا: لا نرضى إلا أن صرف هزار الملوك وتفوض الوزارة لأحمد بن الأفضل في سادس عشرة فكان أول ما بدأ به أن أحاط على الخليفة الحافظ وسجنه بالقاعة المذكورة وقيده وهم بخلعه فلم يتأت له ذلك وكان إماميًا فأبطل ذكر الحافظ من الخطبة وصار يدعو للقائم المنتظر ونقص على السكة: الله الصمد الإمام محمد فلما قتل في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة بالميدان خارج باب الفتوح سارع صبيان الخاص الذين تولوا قتله إلى الحافظ وأخرجوه من الخزانة المذكورة وفكوا عنه قيده وكان كبيرهم: يانس وأجلسوه في الشباك على منصب الخلافة وطيف برأس أحمد بن الأفضل وخلع على: يانس خلع الوزارة وما زالت الخلافة في يد الحافظ حتى مات ليلة الخميس لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة عن: سبع وستين سنة منها: خليفة من حين قتل ابن الأفضل: ثمان عشرة سنة وأربعة أشهر وأيام. كانت بالإيوان الكبير الذي تقدم ذكره في صدر الشباك الذي يجلس فيه الخليفة تحت القبة التي هدمت في سنة سبع وثمانين وسبعمائة كما تقدم وخزائن السلاح المذكورة هي الآن باقية بحوار دار الضرب خلف المشهد الحسيني وعقد الإيوان باق وقد تشعث. المارستان العتيق قال القاضي الفاضل في متجددات سنة سبع وسبعين وخمسمائة في تاسع ذي القعدة: أمر السلطان يعني صلاح الدين يوسف بن أيوب بفتح: مارستان للمرضى والضعفاء فاختير له مكان بالقصر وأفرد برسمه من أجرة الرباع الديوانية مشاهرة مبلغها مائتا دينار وغلات جهاتها الفيوم واستخدم له أطباء وطبائعيين وجرايحيين ومشارف وعاملًا وخدامًا ووجد الناس به رفقًا وإليه مستروحًا وبه نفعًا وكذلك بمصر أمر: بفتح مارستانها القديم وأفرد برسمه من ديوان الأحباس ما تقدير ارتفاعه: عشرون دينارًا واستخدم له طبيب وعامل ومشارف وارتفق به الضعفاء وكثر بسبب ذلك الدعاء. وقال ابن عبد الظاهر: كان قاعة بناها العزيز بالله في سنة أربع وثمانين وثلثمائة وقيل: إن القرآن مكتوب في حيطانها ومن خواصها أنه لا يدخلها ثمل لطلسم بها ولما قيل ذلك لصلاح الدين رحمه الله قال: هذا يصلح أن يكون مارستانًا وسألت مباشريه عن ذلك فقالوا: إنه صحيح وكان قديمًا المارستان فيما بلغني القشاشين وأظنه المكان المعروف: بدار الديلم انتهى والقشاشين المذكورة تعرف اليوم: بالخراطين المسلوك فهيا إلى الخيميين والجامع الأزهر. التربة المعزية كان من جملة القصر الكبير: التربة المعزية وفيها دفن المعز لدين الله آباءه الذين أحضرهم في توابيت معه من بلاد المغرب وهم الإمام المهدي عبيد الله وابنه القائم بأمر الله محمد وابنه الإمام المنصور بنصر الله إسماعيل واستقرت مدفنًا يدفن فيه الخلفاء وأولادهم ونساءهم وكانت تعرف: بتربة الزعفران وهو مكان كبير من جملتها الموضع الذي يعرف اليوم: بخط الزراكشة العتيق ومن هناك بابها ولما انشأ الأمير: جهاركس الخليلي خانه المعروف به في الخط المذكور أخرج ما شاء الله من عظامهم فألقيت في المزابل على كيمان البرقية ويمتد من هناك من حيث المدرسة البديرية خلف المدارس الصالحية النجمية وبها إلى اليوم بقايا من قبورهم وكان لهذه التربة عوايد ورسوم منها: أن الخلية كلما ركب بمظلة وعاد إلى القصر لا بد أن يدخل إلى زيارة آبائه بهذه التربة وكذلك لا بد أن يدخل في يوم الجمعة دائمًا وفي عيدي الفطر والأضحى مع صدقات ورسوم تفرق. قال ابن المأمون: وفي هذا الشهر يعني شوالًا سنة ست عشرة وخمسمائة تنبه ذكر الطائفة النزارية وتقرر بين يدي الخليفة الآمر بأحكام الله أن يسير رسول إلى صاحب الموق بعد أن جمعوا الفقهاء من الإسماعيلية والإمامية وقال لهم الوزير المأمون البطائحي ما لكم من حجة في الرد على هؤلاء الخارجين على الإسماعيلية فقال كل منهم: لم يكن لنزار إمامة ومن اعتقد هذا فقد خرج عن المذهب وضل ووجب قتله وذكروا حجتهم فكتب الكتاب ووصلت كتب من خواص الدولة تتضمن أن القوم قويت شوكتهم واشتدت في البلاد طمعتهم وأنهم سيروا الآن ثلاثة آلاف برسم النجوى وبرسم المؤمنين الذين تنزل الرسل عندهم ويختفون في محلهم فتقدم الوزير بالفحص عنهم والاحتراز التام على الخليفة في ركوبه ومنتزهاته وحفظ الدور والأسواق ولم يزل البحث في طلبهم إلى أن وجدوا فاعترفوا بأن خمسة منهم هم الرسل الواصلون بالمال فصلبوا. وأما المال وهو ألفا دينار فإن الخليفة أبى قبوله وأمر أن ينفق في السودان عبيد الشراء وأحضر من بيت المال نظير المبلغ وتقدم بأن يصاغ به قنديلان من ذهب وقنديلان من فضة وأن يحمل منها قنديل ذهب وقنديل فضة إلى مشهد الحسين بثغر عسقلان وقنديل إلى التربة المقدسة تربة الأئمة بالقصر وأمر الوزير المأمون: بإطلاق ألفي دينار من ماله وتقدم بأن يصاغ بها قنديل ذهب وسلسلة فضة برسم المشهد العسقلاني وأن يصاغ على المصحف الذي بخط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالجامع العتيق بمصر من فوق الفضة ذهب وأطلق حاصل الصناديق التي تشتمل على مال النجاوي برسم الصدقات عشرة آلاف درهم تفرق في الجوامع الثلاثة: الأزهر بالقاهرة والعتيق بمصر وجامع القرافة وعلى فقراء المؤمنين على أبواب القصور وأطلق من الاهراء ألفي أردب قمحًا وتصدق على عدة من الجهات بجملة كثيرة واشتريت عدة جوار من الحجر وكتب عتقهن للوقت وأطلق سراحهن وقال في كتاب الذخائر: إن الأتراك طلبوا من المستنصر نفقة في أيام الشدة فماطلهم وإنهم هجموا على التربة المدفون فيها أجداده فأخذوا ما فيها من قناديل الذهب وكانت قيمة ذلك مع ما اجتمع إليه من الآلات الموجودة هناك مثل المداخن والمجامر وحلي المحاريب وغير ذلك خمسين ألف دينار. القصر النافعي قال ابن عبد الظاهر: القصر النافعي قرب التربة يقرب من جهة السبع خوخ كان فيه عجائز من عجائز القصر وأقارب الأشراف انتهى. وموضع هذا القصر اليوم فندق المهمندار الذي يدق فيه الذهب وما في قبليه من خان منجك ودار خواجا عبد العزيز المجاورة للمسجد الذي بحذاء خان منجك وما بجوار دار خواجا من الزقاق المعروف: بدرب الحبشي وكان حد هذا القصر الغربي ينتهي إلى الفندق الذي بالخيميين المعروف قديمًا: بخان منكورس ويعرف اليوم: بخان القاضي واشترى بعض هذا القصر لما بيع بعد زوال الدولة الأمير ناصر الدين عثمان بن سنقر الكاملي المهمندار الذي يعرف: بفندق المهمندار بعد أ كان اصطبلًا له واشترى بعضه الأمير حسام الدين لا جين الإيدمري المعروف: بالدر قيل داودار الملك الظاهر بيبرس وعمره اصطبلًا ودارًا وهي الدار التي تعرف اليوم: بخواجا عبد العزيز على باب درب الحبشي ثم عمل الإصطبل الخان الذي يعرف اليوم: بخان منجك وابتنى الناس في مكان درب الحبشي الدور وزال أثر القصر فلم يبق منه شيء البتة. وكانت بالقصر الكبير عدة خزائن منها: خزانة الكتب وخزانة البنود وخزائن السلاح وخزائن الدرق وخزائن السروج وخزانة الفرش وخزانة الكسوات وخزانة الأدم وخزائن الشراب وخزنة التوابل وخزائن الخيم ودار التعبية وخزائن دار أفتكين ودار الفطرة ودار العلم وخزانة الجوهر والطيب وكان الخليفة يمضي إلى موضع من هذه الخزائن وفي كل خزانة دكة عليها طراحة ولها فرشا يخدمها وينظفها طول السنة وله جار في كل شهر فيطوفها كلها في السنة. خزانة الكتب قال المسبحي: وذكر عند العزيز بالله كتاب العين للخليل بن أحمد فأمر خزان دفاتره فأخرجوا من خزانته نيفًا وثلاثين نسخة من كتاب العين منها نسخة بخط الخليل بن أحمد وحمل إليه رجل نسخة من كتاب تاريخ الطبري: اشتراها بمائة دينار فأمر العزيز الخزان فأخرجوا من الخزانة ما ينيف عن عشرين نسخة من تاريخ الطبري منها نسخة بخطه. وذكر عند كتاب: الجمهرة لابن دريد فأخرج من الخزانة مائة نسخة منها وقال في كتاب الذخائر: عدة الخزائن التي برسم الكتب في سائر العلوم بالقصر: أربعون خزانة خزانة من جملتها ثمانية عشر ألف كتاب من العلوم القديمة وإن الموجود فيها من جملة الكتب المخرجة في شدة المستنصر ألفان وأربعمائة ختمة قرآن في ربعات بخطوط منسوبة زائدة الحسن محلاة بذهب وفضة وغيرهما وإن جميع ذلك كله ذهب فيما أخذه الأتراك في واجباتهم ببعض قيمته ولم يبق في خزائن القصر البرانية منه شيء بالجملة دون خزائن القصر الداخلة التي لا يتوصل إليها ووجدت صناديق مملوءة أقلامًا مبرية من براية ابن مقلة وابن البواب وغيرهما. قال: وكنت بمصر في العشر الأول من محرم سنة إحدى وستين وأربعمائة فرأيت فيها خمسة وعشرين جملًا موقرة كتبًا محمولة إلى دار الوزير أبي الفرج محمد بن جعفر المغربي فسألت عنها فعرفت أن الوزير أخذها من خزائن القصر هو والخطير ابن الموفق في الدين بإيجاب وجبت لهما عما يستحقانه وغلمانهما من ديوان الجبليين وإن حصة الوزير أبي الفرج منها قومت عليه من جاري مماليكه وغلمانه بخمسة آلاف دينار وذكر لي من له خبرة بالكتب أنها تبلغ أكثر من مائة ألف دينار ونهب جميعها من دراه يوم انهزم ناصر الدولة بن حمدان من مصر في صفر من السنة المذكورة مع غيرها مما نهب من دور من سار معه من الوزير أبي الفرج وابن أبي كدينة وغيرهما هذا سوى ما كان في خزائن دار العلم بالقاهرة وسوى ما صار إلى عماد الدولة أبي الفضل بن المحترق بالإسكندرية ثم انتقل بعد مقتله إلى المغرب وسوى ما ظفرت به لواتة محمولًا مع ما صار إليه بالابتياع والغصب في بحر النيل إلى الإسكندرية في سنة إحدى وستين وأربعمائة ومما بعدها من الكتب الجليلة المقدار المعدومة المثل في سائر الأمصار صحة وحسن خط وتجليد وغرابة التي أخذ جلودها عبيدهم وإماءهم برسم عمل ما يلبسونه في أرجلهم وأحرق ورقها تأولًا منهم أنها خرجت من قصر السلطان أعز الله أنصاره وإن فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم سوى ما غرق وتلف وحمل إلى سائر الأقطار وبقي منها ما لم يحرق وسفت عليه الرياح التراب فصار تلالًا باقية إلى اليوم في نواحي آثار تعرف: بتلال الكتب. وقال ابن الطوير: خزانة الكتب كانت في أحد مجالس المارستان اليوم يعني: المارستان العتيق فيجيء الخليفة راكبًا ويترجل على الدكة المنصوبة ويجلس عليها ويحضر إليه من يتولاها وكان في ذلك الوقت الجليس بن عبد القوي فيحضر إليه المصاحف بالخطوط المنسوبة وغير ذلك مما يقترحه من اكتب فإن عن له أخذ شيء منها أخذه ثم يعيده وتحتوي هذه الخزانة على عدة رفوف في دور ذلك المجلس العظيم والرفوف مقطعة بحواجز وعلى كل حاجز باب مقفل بمفصلات وقفل وفيها من أصناف الكتب ما يزيد على مائتي ألف كتاب من المجلدات ويسير من المجردات فمنها الفقه على سائر المذاهب والنحو واللغة وكتب الحديث والتواريخ وسير الملوك والنجامة والروحانيات والكيمياء من كل صيف النسخ ومنها النواقص التي ما تممت كل ذلك بورقة مترجمة ملصقة على كل باب خزانة وما فيها من المصاحف الكريمة في كل مكان فوقها وفيها من الدروج بخط ابن مقلة ونظائره كابن البواب وغيره وتولى بيعها ابن صورة في أيام الملك الناصر صلاح الدين فإذا أراد الخليفة الانفصال مشى فيها مشية لنظرها وفيها ناسخان وفراشان صاحب المرتبة وآخر فيعطى الشاهد عشرين دينارًا ويخرج إلى غيرها وقال ابن أبي طي بعدما ذكر استيلاء صلاح الدين على القصر ومن جملة ما باعوه: خزانة الكتب وكانت من عجائب الدنيا ويقالك إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقاهرة في القصر ومن عجائبها: أنه كان فيها ألف ومائتا نسخة من تاريخ الطبري إلى غير ذلك ويقال: إنها كانت تشتمل على ألف وستمائة ألف كتاب وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة انتهى ومما يؤيد ذلك أن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي: لما أنشأ المدرسة الفاضلية بالقاهرة وجعل فيها من كتب القصر مائة ألف كتاب مجلد وباع ابن صورة دلال الكتب منها جملة في مدة أعوام فلو كانت كلها مائة ألف لما فضل عن القاضي الفاضل منها شيء وذكر ابن أبي واصل: أن خزانة الكتب كانت تزيد على مائة وعشرين ألف مجلد.
|